فصل: مسألة قال في وصيته عبدي يزيد لفلان وله يزيدان فمات ولم يبين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة أوصى لرجل بألف درهم على مكاتبه:

قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول في رجل أوصى لرجل بألف درهم على مكاتبه فقال الورثة للموصى له: نحن نعطيك الألف، وتكون جميع الكتابة والعبد لنا فأبى ذلك وقال: يكون لي في العبد والكتابة لعله يعجز، قال: ليس ذلك له، وذلك للورثة إذا دفعوا إليه الألف؛ لأنه يأخذ ما سمى له الألف درهم فليس له غير ذلك.
قال محمد بن رشد: لم يفرق في هذه الرواية بين أن تكون الألف قد حلت على المكاتب أو لم تحل عليه، بل الظاهر منها أنها لم تحل عليه فهي إذا حلت أحرى أن لا يكون للموصى له في ذلك قول ولا حجة، فذلك خلاف ما في رسم الوصايا من سماع أصبغ من كتاب المكاتب في الذي يوصي بنجم من نجوم مكاتبه، فيقول الورثة: نحن ندفع إليك النجم، ويقول الموصى له: لا أرضى بذلك لعله أن يعجز فيكون لي فيه حق، فقال: إن كان النجم لم يحل فذلك له، وإن كان قد حل، فذلك لهم، وهو أظهر من قوله في هذه الرواية؛ لأن الموصى له ينزل بالوصية فيها على المكاتب بمنزلة المشتري، ولا اختلاف في أن المشتري لجزء من كتابة المكاتب، أو لنجم غير معين من نجومه، على القول بجواز ذلك، لا يكون للشريك أن يدفع للمشتري ماله على المكاتب، ويتبع بذلك المكاتب، فيكون أحق برقبته إن عجز. والوجه في هذه الرواية أن الموصي إنما قصد إلى الوصية بالألف بالرقبة إن عجز، فإذا أعطى الورثة الموصى له ماله على المكاتب، وعجلوا ذلك له لم تكن له حجة، فعلى هذه الرواية لو لم يعجل الورثة له بالألف فعجز لم يكن للموصى له بها حق في رقبة المكاتب. وهذا على القول بأن لموهوب كتابة المكاتب لا تكون رقبته إن عجز، وهو أحد قولي ابن القاسم في روايتي أبي زيد عنه في كتاب المكاتب، إذ لا فرق بين الوصية والهبة في هذا. وقد قيل: إن معنى هذه الرواية أن الألف كانت حالة على المكاتب، فليست بخلاف لما في سماع أصبغ من كتاب المكاتب، ولو دفع إليه الورثة الألف قبل أن يعجز على القول بأن رقبته كانت تكون له لو عجز، فعجز المكاتب فيها قبل أن يدفعها إليهم أو فيها بقي من الكتابة بعد أن دفع الألف إليهم، كانت رقبته لهم ولم يكن للموصى له أن يرد الألف إليهم ويشاركهم في الرقبة كما يكون للموصى لهم بالكتابة إذا قبض بعضهم ما أوصى له به منها إن عجز في حظ الباقيين منهم؛ لأن الموصى لهم إذا انفردوا بالكتابة في ذلك بمنزلة الورثة قيل: إنهم بمنزلتهم إذا قبض أحدهم حقه بشيء يبدأ صاحبه في أنه ليس له الدخول معه في الرقبة إذا عجز في نصيبه، إلا أن يرد ما قبض وقيل: إنهم بمنزلتهم إذا قبض أحدهم حقه دون أن يبديه صاحبه به، في أن له الدخول معه في الرقبة إذا عجز في نصيبه من غير أن يبديه ما قبض وسيأتي الكلام على هذا إن شاء الله في رسم الوصايا من سماع أصبغ من كتاب المكاتب وبالله التوفيق.

.مسألة إقرار الرجل لوارثه في الصحة بدين:

وسمعته وسئل عن الرجل يموت فيترك عمه ولا وارث له غيره وغير أمه، فيطالب العم مورثه، فتقوم الأم بدين كان أقر لها به في الصحة، فقال: لا كلام للعم. قلت: أرأيت إن طلب منها اليمين، إن ذلك كان توليجا؟ قال أصبغ: أما في الحكم فلا يلزمها.
قال محمد بن رشد: هذا هو المشهور في المذهب، أن إقرار الرجل لوارثه في الصحة بدين جائز وإن لم يقم به إلا بعد موته. وقال ابن كنانة: يجوز إقراره له في حياته، ولا يجوز بعد وفاته، إلا أن يعرف لذلك سبب، مثل أن يكون باع له رأسا وأخذ له من موروث شيئا. وقال بمثل قوله المخزومي وابن أبي حازم، ومحمد بن سلمة الفدكي، وقول أصبغ في اليمين: إنه لا يلزمها في الحكم، يريد من أجل أنها يمين تهمة. فقوله على القول بسقوط يمين التهمة، على قياس المشهور في المذهب من أن الإقرار عامل جائز نافذ، وإن لم يقم به إلا بعد الموت والأظهر في هذه المسألة لحوق اليمين، مراعاة لقول من لم يعمل الإقرار بعد الموت. وبالله التوفيق.

.مسألة يوصي فيقول غلامي مرزوق لمحمد ولسعيد مثله:

مسائل نوازل سئل عنها أصبغ بن الفرج وسئل أصبغ عن الرجل يوصي فيقول: غلامي مرزوق لمحمد، ولسعيد مثله. قال: يعطي مرزوقا محمدا ويشتري لسعيد مثله في قيمته ونحوه فيعطاه. قلت: له فلو قال: عبدي مرزوق لمحمد، ولسعيد مثله. قال: هذا خلاف الأول وأراه بينهما بنصفين؛ لأنه حين قال في مسألتك الأولى: ولسعيد مثله، فقد أخرج سعيدا من العبد، وجعل له مثله آخر وأما قوله: عبدي مرزوق لمحمد ولسعيد مثله، فكأنه قال: وسعيد مثله، يعني مثل محمد في الوصية، فكأن العبد بينهما.
قلت: وكذلك لو قال: هذه المائة دينار لمحمد ولسعيد مثله، فكأنه قال وسعيد مثله، قال: هي بينهما نصفين إذا كانت المائة بعينها قلت: فإن قال: هذه المائة لمحمد، ولسعيد مثله جعلت له مائة أخرى فيعطى كل واحد منهما مائة، قال: نعم على قياس ثمن العبد.
قال محمد بن رشد: تفرقته بين أن يقول: وسعيد مثله، أو ولسعيد مثله في الذي أوصى بعبده أو بمائة لمحمد، إذا كانت المائة بعينها يريد أنها إذا لم تكن بعينها فسواء قال: وسعيد مثله، أو قال: ولسعيد مثله، يعطى كل واحد منهما مائة مائة، تفرقة صحيحة بينة؛ لأنه إذا قال: وسعيد مثله، فقد أنزله بمنزلتهم في أن أوصى له بالذي أوصى له به فوجب أن يشتركا فيه إذا كان شيئا بعينه، وأن يكون له مثله إذا لم يكن شيئا بعينه، وإذا قال: ولسعيد مثله، فقد أوصى له بمثل الذي أوصى له به فوجب أن يكون له مثل ما أوصى له به، كان الذي أوصى له شيئا بعينه أو لم يكن. وبالله التوفيق.

.مسألة قال في وصيته لمحمد مرزوق أو ميمون:

قلت: فلو قال: لمحمد مرزوق أو ميمون قال: أرى الورثة مخيرين في دفع أيهم أحبوا. قلت: فإن اختاروا حبسا رفعهما ثمنا ودفعوا إليه أدناهما جاز ذلك لهم، قال: نعم، كما لو قال: لفلان مائة دينار أو بيت كذا وكذا أو دابة كذا وكذا، كان الورثة بالخيار في دفع ما شاء وأمنهما.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال وفي اللسان مواضع منها الشك والإبهام والتخيير والجمع، بمعنى الواو، فإذا لم يصح أن يحمل في هذا الموضع على الشك ولا على الإبهام، كما لا يصح حملها فيه على سائر مواضعها سوى التخيير والجمع، فلم يصح أن تحمل على الجمع دون التخيير لوجهين: أحدهما: أن التخيير فيها أظهر، فلا يصح أن تحمل على الجمع، إلا في موضع لا يصح فيه التخيير. والثاني أن الوصايا لا تكون بالشك، فهي محمولة على الأقل حتى يعرف الأكثر. ولما لم يصح أيضا لهذا المعنى أن يحمل على تخيير الموصى له، وجب أن يحمل على تخيير الورثة كما قال. وكذلك لو أوصى أن يعتق عنه فلان وفلان، لكان الورثة مخيرين في عتق من شاءوا منهما بخلاف قوله: أحد عبدي هذين حر، وبالله التوفيق.

.مسألة قال الموصي لفلان مائة ولفلان مثله:

قلت: فإن قال الموصي: لفلان مائة ولفلان مثله. قال: أرى لكل واحد منهما مائة.
قال محمد بن رشد: قد تقدم القول على هذه المسألة في أول النوازل، فلا معنى لإعادته. وبالله التوفيق.

.مسألة أوصى فقال ثوب من ثيابي لفلان وصية ثم مات:

وسئل عن رجل أوصى فقال: ثوب من ثيابي لفلان وصية، ثم مات قال: يحسب عدد ما ترك من الثياب، فإن كان ترك عشرة، قومت كلها، فأعطى الموصى له عشر قيمة الثياب بالسهم، فإن صار له ثوب فيه بعشر القيمة فذلك له، وإن صار له ثوب تكون قيمته أكثر من عشر القيمة، لم يكن له، وصار له فيه مبلغ عشر قيمة جميع الثياب، وإن كان الذي صار له لا يبلغ قيمة العشرة، أخذه وضرب له أيضا فيما بقي حتى يستوفي عشر قيمة الثياب، فربما صار له ثوب واحد، وربما صار له ثوب ونصف وأقل، وربما ثوبان فأكثر، وربما صار له أقل من ثوب، وإنما لك بمنزلة من قال: رأس من رقيقي حر وله عشرة، العمل فيها واحد. قلت: وهل يدخل في عدد الثياب السراويلات والعمائم، ونحو ذلك؟ قال: لا يدخل في عددها إلا الثياب الكبار: الأردية والأقمصة والسيجان، والأكسية، وكل ثوب كبير.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة، وتنظيره فيها للثياب بالعبيد في وجه العمل فيها بالقرعة صحيح، لا اختلاف فيه ولا إشكال، وإنما قال: إنه لا يحسب فيها إلا الثياب الكبار؛ لأن ذلك معلوم من وجه ما أوصى به، إذ قد علم أنه لم يرد الميزر ولا السراويلات، ولا الفضلات من الثياب التي لا خطر لها ولا بال لقيمتها. وبالله التوفيق.

.مسألة قال في وصيته عبدي يزيد لفلان وله يزيدان فمات ولم يبين:

قلت: فلو قال في وصيته: عبدي يزيد لفلان، وله يزيدان، فمات ولم يبين قال: يقومان، ثم يكون له فيهما نصف قيمتهما يسهم بينهما فيعطى نصف قيمتهما، فربما صار له أحدهما وبعض الآخر، وربما صار له أحدهما يكمل له، وربما صار له أقل من واحد، وكذلك لو قال: عبدي لفلان وله عبدان لا يملك غيرهما. قال: نعم، العمل فيهما واحد.
قال محمد بن رشد: هذه والمسألة التي قبلها سواء، فلا إشكال فيها ولا وجه للقول فيها. وبالله التوفيق.

.مسألة أوصى لمكاتب ابنه بوصية:

وسئل عمن أوصى لمكاتب ابنه بوصية لها بال، فقال: أرى الوصية له جائزة، وذلك أنه يصير إلى سيده، ولعله أن يعجز فيرق، فيكون قد رجع إليه العبد، وقد أخذ ما أوصى له به، فصارت وصيته لوارث، قال: إلا أن يكون لمكاتب له أموال مأمونة، لا يشك فيه أنه يقوى على أداء الكتابة، فيجوز ذلك، ولا يكون عليه تهمة.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنه وإن لم يكن له أن ينتزع مال مكاتبه في الحال، إذ قد أحرز ماله بالكتابة، فقد يعجز فيكون له انتزاعه. فإذا كان ممن يؤمن عليه العجز جازت له الوصية ومثله لأشهب في المجموعة ولو أوصى لعبد وارثه بالشيء الكثير، وعلى العبد دين يستغرقه، أو يبقى منه ما لا يتهم فيه، فذلك جائز. قال أشهب: وإن أوصى لعبد وارثه الذي لا يرثه غيره فذلك جائز، قل أو كثر، فإن أوصى مع ذلك لأجنبي، تحاص مع العبد في الثلث إن ضاق بما وقع للعبد كان له، وأما إن كان معه ورثة، فينظر ما صار للعبد بحصاصه، فإن كان تافها فهو له، وإن كثر عاد ميراثا إن لم يجزه الورثة، وليس وصيته لعبد وارث لا يرثه غيره كوصية لسيده؛ لأن ذلك للعبد حتى ينتزع منه، فلذلك يحاص به، فأما إذا كثر صار وصية لوارث، وأما وصيته لرجل لمن يملك من عبد أو مدبر أو مكاتب أو أم ولد، أو من يملك بعضه، أو لمعتقه إلى أجل فذلك جائز، ويحاص به الأجنبي، وليس للورثة أن ينتزعوه منه عند ابن القاسم، ويبيعوه به إن باعوه. وقال أشهب: يقر بيده حتى ينتفع ويستمتع ويطول زمان ذلك، ولا ينتزعوه إن باعوه أيضا قبل طول الزمان. وقول أشهب استحسان؛ لأن القياس إما أن ينتزعوه مكانهم؛ لأنه مال لعبدهم، قد وجب له بالوصية أو لا يكون لهم انتزاعه أبدا؛ لأن الميت نزعه منهم. وبالله التوفيق.

.مسألة أوصى لمدبر ابنه أو لأم ولده أو معتقه إلى أجل:

قال أصبغ: ولو أوصى لمدبر ابنه أو لأم ولده أو معتقه إلى أجل، قال: لا تجوز الوصية لواحد من هؤلاء؛ لأن لسيدهم نزع أموالهم. قيل: فإن كانت هذه الوصية في حال قد امتنعت أموالهم من ساداتهم، مثل أن يكون سيدهم مريضا أو يكون العتق إلى أجل قد تقارب أجل عتقه. قال: أما للمدبر وأم الولد فلا تجوز الوصية لهما، وإن كان سيدهما مريضا؛ لأنه قد يصح فينتزع أموالهما، فهذه تهمة تسقط بها الوصية، فإذا سقطت بالتهمة لم ترجع. قلت: أفلا يوقفها؟ فإن مات السيد نفذت، وإن صح ردت. قال: لا، قد أخبرتك أن الوصايا لا توقف، وإنما تمضي أو ترد إذا أبهمت، إلا أن يكون سيد المدبر وأم الولد في السياق والحال الميئوس منه فيها التي لا يرجى له فيها حياة، فإن الوصية لهما إذا كانت هذه الحال هكذا. وأما المعتق إلى أجل فلا تجوز له الوصية أيضا، وإن كان أجل عتقه قد تقارب، إلا أن يكون لم يبق من أجله الذي يعتق إليه إلا بقدر الثلاثة الأيام والخمسة، ونحوها مما يقل جدا فأرى الوصية جائزة.
قلت: أرأيت إن افتقر سيد أم الولد والمدبر، والمعتق إلى أجل قرب الأجل أو في مرض السيد الذي يمتنع منه فيه أخذ مال المدبر وأم الولد، فاحتاج سيدهم في هذا الحين، ولا مال له غيرهم، ولهم أموال، أترى أن ينفق عليهم من أموالهم؟ أو لا ترى أن يؤخذ لهم من أموالهم نفقة، ويكونون من فقراء المسلمين؟ فقال: بل أرى لهم في أموالهم نفقة حتى يموت أو يعتق المعتق إلى أجل، إذا لم يكن له مال ينفق منه على نفسه، ولا يترك بموت، وللعبد أموال ومتاع، ومنع سيدهم أخذ أموالهم في هذه الحال ليس بالقوي، ولم يأت فيه أثر ولا سنة وإنما ذلك استحسان من أهل العلم، فإذا بلغ منه الحاجة، ولم يكن له مال ينفق منه رأيت أن ينفق عليهم من أموالهم حتى يموت أو ينقضي أجل المعتق، فهو أيضا مما يوهن مسألتك في الوصية ويضعفها، وتنزل به التهمة.
قال محمد بن رشد: أما وصيته لعبد ابنه أو لأم ولده في مرض الابن، فقوله: إن الوصية له في هذه الحال لا تجوز بين، إذ قد يصح من مرضه، فيكون له انتزاع ذلك، وأما قوله في أن وصيته لعبد ابنه المعتق إلى أجل لا تجوز إلا أن يقرب الأجل جدا مثل الثلاثة الأيام والخمسة ونحوها فهو استحسان، والقياس على المذهب أنه إذا لم يبق من الأجل إلا ما لا يجوز فيه انتزاع ماله أن تجوز الوصية له، وإذا لم يبق من الأجل إلا نحو الشهر فليس له أن ينتزع ماله. قاله في كتاب ابن المواز ومثله في مختصر ابن عبد الحكم وهو يحمل على التفسير لما في المدونة لأنه قال فيها: إن السنة ليست بقليل، وله أن ينتزع ماله، وإن لم يبق من أجله إلا السنة، فإن جعل العلة في ذلك أنه قد يحتاج فينفق عليه من ماله في هذا الحد، وإن كان لا يجوز له فيه انتزاع ماله، ومراعاة لقول من يقول: إن مال العبد لسيده، وإن العبد لا يملك، فيجب أن تجوز الوصية له إذا كان الابن وافر الحال، كثير المال، لا يخشى عليه العدم في هذه الحال؛ لأن التهمة في ذلك تكون مرتفعة على ما قاله فوق هذا في الذي يوصي المكاتب ابنه إن الوصية له جائزة إذا كانت له أموال مأمونة، يؤمن عليه العجز معها وبالله التوفيق.

.مسألة أوصى أن يعطى فلان مولاي أو فلان وفلان مولاي خمسة دنانير:

وسئل أصبغ عن رجل أوصى، وفيما أوصى أن يعطى فلان مولاي أو فلان وفلان مولاي خمسة دنانير، أو خمسة لكل واحد وله عبيد هؤلاء الذين سمى منهم، أو ليس له غيرهم، أيكونون بشهادة الوصية أحرارا ويجريهم مجرى الأحرار؟ أم هم رقيق؟ قال: أرى إن أشكل أمرهم إذا كان الأمر فيهم مشكلا لا يدري أهم يوم أوصى عبيد؟ أم أعتقهم قبل ذلك؟ وأشكل منهم تقادم ذلك وطوله، لا يدرى العلة قد كان قبل ذلك زمان، فبقي العبيد عنده على حالهم في خدمته وفي يديه، فأرى إذا كانوا بهذه الصفة والمنزلة، وكان مع ذلك سماع فاش قد تقادم وعتق يرى كان منه إليهم، أو يمين بعتقهم، لا يدري أبر فيهم أو حنث؟ فأراهم موالي، إذ هو كان أعلم حين سماهم موالي، وأوصى لهم كما يوصى للموالي المعروفة بولايتهم، فأراهم أحرارا، لا غرض فيهم لأحد برق ولا إبطال، فقد يعتق الرجل عبده في موطن من مواطن البر، ولا يشهد له، ويكون معه كما كان، لا يرى ولا يخاف غير ذلك، ويكون معه زمانا على ذلك، لا يرى أنه يدفع فيه بشيء ولا يدافع، ويكون مكثه في يديه مكث النفقة عليه. وهذا من عتق النساء الضعفاء عن الوثائق لمن أعتقن والأمر عنده كثير، فإن لهذه الوصية على هذه الصفة والأسباب حرمة والإقرار بأنه لا شيء له فيهم إلا الولاء وأراه تحايدا عما ليس له ولا يشبه عندي الذي يقول: قد كنت أعتقه؛ لأن التهمة له في هذا بأنه أراد إخراجه من رأس المال واضحة واقعة قوية، والتهمة بذلك في الأول خارجة منه ضعيفة والله أعلم. فأراهم موالي وأراهم أحرارا، لا رق فيهم يوم الوصية، وأرى هذا لهم هكذا أبدا حتى يقوم بينة قاطعة بأنهم يوم أوصى، لا شبهة في ملكهم ولا رقهم ممن يعرف دخلة الرجل الميت وأمره، أو يكون كان ملكه لهم قريبا جدا من وصية ملكه مشهور، معروف، باشتراء أو هبة أو صدقة أو ميراث قريب، لا يمكن فيه الشبهة، وإن لم يدخله مع الشهادة أنه يملكهم يوم الوصية عبيد فهذا الذي يكون عليهم فيه إقامة البينة بالحرية، لا على الورثة وفي الأمر الأول البينة على الورثة لا عليهم. قال أصبغ: فإن أقر العبيد الذين أوصى أن لموالي فلان وفلان كذا وكذا بأنهم عبيد له، لا حرية فيهما إلى يوم أوصى. قال: أرى إن كانوا فصحا طلوقا عارفين بالأمور، لا يسقط عن مثلهم الحج، ولا أمور سيدهم في حياته، ولا القيام عليه لو حيوا فيه ومنه وعليه، ولا كشفهم والأخوف منهم من تجبره وسلطانه إن كان ذا سلطان وسطوته بعد إنكاره، فأقروا بالعبودية خالصة لا يدعون شيئا متقادما ولا غيره، ولا يدعون إلا ما يرون إن هذه الوصية عتقا مستأنفا منه في وصيته لهم فقط، فإقرارهم لازم لهم، ولا حرية عليهم على خال في ثلث ولا غيره، وأرى لهم الوصية بالمال ثابتة على كل حال، كما يوصي الرجل لعبيده. وقد يقول الرجل لعبيده: هؤلاء موالي على لفظ الجهالة والخطأ، فإذا صدقوا ذلك وحققوه بإقرارهم بالعبودية، رأيته لهم لازما، وكانوا عبيدا. قال أصبغ: وإن كان العبيد على غير ذلك من الاستحقاق والمعرفة التي وصفتها كلها، فلا أرى إقرارهم بالعبودية ضارا لهم ولا مقبولا منهم وأراهم أحرارا إذا كانت حالاتهم الحال التي لو لم يقروا لجعلوا أحرارا أو موالي على التفسير الذي فسرنا إن شاء الله.
قال محمد بن رشد: قد بين أصبغ ما ذهب إليه في هذه المسألة، وطول القول فيه، حرصا على التناهي في البيان وذلك يرجع إلى أنه إن كان طال مكثهم في يديه حتى أشبه من أجل ذلك أن يكون قد كان أعتقهم، فبقوا عنده في نفقته وخدمته على ما كانوا عليه قبل عتقه إياهم، وعلمت وصيته لهم على أنهم مواليه، فكانوا بذلك أحرارا، وإن كانوا مقربين له بالعبودية، إذا احتمل أن يكونوا أقروا بذلك على جهل أو خوف إلا أن يثبت الورثة أنهم عبيد، وإن لم يطل مكثهم في يديه حتى لم تدخل عليهم الشبهة في عتقهم قبل هذه الوصية، فهم عبيد، إلا أن يثبتوا حريتهم قبلها وهم في حال الجهل بأمرهم على ما أوصى لهم به من أنهم مواليه. فهذا بيان قوله وتلخيصه وبالله التوفيق.

.مسألة ادعى في البيع ما يجوز وادعى صاحبه ما لا يجوز:

نوازل عيسى بن دينار وسئل عيسى عن رجل قال عند موته: إني قومت جارية ابنتي فلانة على فلان بألف درهم، وجعلت فضلها بينهما، وقد بعث إلي بالألف من العدوة، قلت هذا وقدم الرجل، فقال: إنما باعنيها بيع بت، وقد بعثت إليه بالثمن، قال: القول قول الميت، وعلى هذا نصف الفضل. قلت له: لم قال: لأن الميت يقول: إنما بعته نصفها، وأبضعت معه النصف فنصف الفضل في هذا القول له، فقيل له: لو قال هذا كان القول قوله، ولكنه إنما قال: قومتها عليه كلها وجعلت فضلها بينهما، وهذا لا يجوز، فمن ادعى في البيع ما يجوز، وادعى صاحبه ما لا يجوز، فالقول قول مدعي الحلال منهما. قال عيسى: إنما معناه عندي كما قلت أولا: إنه باع النصف، وأبضع النصف فالقول قوله على ذلك.
قال محمد بن رشد: قوله: قومتها عليه معناه أشركته فيها، بأن بعت منه نصفها بألف ليبيعها هو بألف، فيكون له نصف الفضل إن باعها بربح كما قال لا كما قال السائل: من أن الميت ادعى حراما، فالاختلاف بينهما إنما هو فيما اشترى بالألف فهو يقول: اشتريت بها جميع الجارية، والميت يقول: إنما بعت منه بالألف التي قبضت نصف الجارية، ولا اختلاف في المتمون إذا قبض الثلث، كالاختلاف في الثمن إذا قبض المتمون، فقوله: إن القول قول الميت يأتي على القول بأن النقد المقبوض فوت يوجب أن يكون القول قول البائع في أنه لم يبع منه بالألف التي قبض إلا نصف الجارية على قياس رواية ابن وهب عن مالك، في أن قبض السلعة فوت إذا اختلف في ثمنها، وإنما ينبغي أن يكون القول قوله إذا أشبه أن يباع نصف الجارية بألف، وهذا هو معنى ما تكلم عليه، إذ لا اختلاف في أن المتداعين، لا يكون القول قول المدعى عليه منهما إلا إذا أتى بما يشبه. وقوله: القول قول الميت، معناه: أنه لا يصدق المشتري فيما ادعاه من أنه اشترى بالألف التي دفع جميع الجارية؛ لأن اليمين إنما كانت للميت إذا كان يشبه قوله على ما ذكرناه فقد سقطت عنه بموته، ولو لم يشبه قوله وأشبه قول المشتري لوجب أن يكون القول قوله مع يمينه أنه اشترى بالألف جميع الجارية ويجب في هذه المسألة على قياس القول بأن النقد المقبوض لا يكون فوتا أن يحلف المشتري ويفسخ البيع؛ لأن الميت قد سقطت عنه اليمين بموته، وبالله التوفيق.

.مسألة الوصي يشتري لليتامى منزلا بأموالهم ثم يموت:

وسئل عن الوصي يشتري لليتامى منزلا بأموالهم، ثم يموت، فيقول ذكور اليتامى: نقسم المنزل، للذكر مثل حظ الأنثيين، وكذلك اشترى لنا ويقول الإناث: بل للذكر مثل حظ الأنثى ولا يدري كم اشترى لهم؟ قال: إن كان اشترى لهم من عرض أموالهم، فذلك بينهم، للذكر مثل حظ الأنثى، وإن كان اشترى لهم من جميع المال، فذلك بينهم، لذكر مثل حظ الأنثيين كما كانت أموالهم قبله فإن كان الوصي حيا وقد اشترى لهم من عرض أموالهم وليس بجميعها فقبل الأيتام ثم اختلفوا أيقبل قول الوصي بينهم؟ قال: نعم.
قال محمد بن رشد: أما إذا اشترى المنزل لهم بجميع المال، فلا إشكال ولا احتمال، في أنه يكون بينهم، للذكر مثل حظ الأنثيين، وأما إذا اشتراه لهم من جملة المال لا بجميعه، ففي قوله: إنه يكون بينهم للذكر مثل حظ الأنثى نظر؛ لأن المال الذي اشتراه به ليس للإناث منه إلا ثلثه، فالظاهر أن لا يكون للإناث منه إلا الثلث. ولا يحمل على الوصي أنه تسلف للإناث من حظوظ الذكور، ألا ترى إن كان جميع المال ستمائة، فاشترى المنزل بثلاثمائة؟ يرجع الذكور في الثلاثمائة الباقية بالخمسين التي زادها من حظوظهم للإناث في المنزل، فيكون لهم منها مائتان وخمسون. وقد ذكر ابن زرب أن في المسألة خمسة أقوال على قياس ما قاله محمد بن حارث من الاختلاف فيمن أوصى بمال لحمل، فولدت المرأة توأمين: ذكرا وأنثى أحدها إن المنزل يقسم بينهما إن كانا ابنا وابنة بنصفين. والثاني إنه يكون بينهما بحسب الميراث على الثلث والثلثين. والثالث إنه يقسم بينهما على سبعة أسهم، للأنثى ثلاثة، وللذكر أربعة وذلك أن أقصى ما يمكن أن يكون للذكر الثلثان، وأقصى ما يمكن أن يكون للأنثى النصف. والرابع أنه يقسم بينهما على خمسة أسهم، للذكر ثلاثة وللأنثى اثنان، وهو أقل ما يمكن أن يكون لكل واحد منهما والخامس أن يكون للذكر ثلاثة من ستة، وللأنثى اثنان من ستة، ويقتسمان الجزء السادس بنصفين على سبيل التداعي إن ادعيا العلم أو ظن أن أحدهما يعلم، واستحسن هذا القول وهذا الاختلاف إنما يصح إذا جهل كيف كان الشراء ولم يتداعيا في ذلك على التحقيق؟ وأما إن قال الذكر: الثلثان لي، والثلث لك، وعلى ذلك وقع الشراء بإفصاح وبيان. وقالت الأنثى: النصف لي والنصف لك، وعلى ذلك وقع ذلك الشراء بإفصاح وبيان، فلا يصح في ذلك إلا قولان: أحدهما إنه يقسم بينهما على حساب عول عدل الفرائض أسباعا بعد إيمانهما لمدعي الثلثين أربعة أسهم، ولمدعي النصف ثلاثة أسهم، وهو المشهور من قول مالك، والثاني إنه يكون للذكر ثلاثة من ستة، إذ لا تنازعه الابنة في النصف، وللأنثى اثنان من ستة، إذ لا ينازعها الابن في أن لها الثلث، ويقتسمان الجزء السادس بينهما بنصفين لتداعيهما فيه، بعد أيمانهما أيضا، وهو المشهور من مذهب ابن القاسم. وبالله التوفيق.

.مسألة أوصى بثلث ماله في سبيل الله إلا العراص:

من سماع أبي زيد بن أبي الغمر من ابن القاسم:
مسألة قال أبو زيد بن أبي الغمر: أخبرنا ابن القاسم قال: سئل مالك عن رجل أوصى بثلث ماله في سبيل الله إلا العراص، وفي العراص خشب وطوب ملقى كان أراد أن يبني تلك العراص بها، أترى أن يباع الطوب والخشب والقصب، فتعجل في السبيل؟ أم تراها مع العراص؟ قال: إن كان ذلك النقض شيئا نقضه من العراص فلا يباع منه شيء، وإن كان إنما جاء به ليبني بها، فهي تباع، ويخرج ثلثها.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال إنه كان نقض ذلك من العراص، فلا يدخل في الوصية لأنها من العراص التي استثنى يوم أوصى، وإن كان لم ينقضها منها فهي داخلة في الوصية، إذ ليست مما استثنى. وبالله التوفيق.

.مسألة أوصى بعتق عبده وما بقي من ثلثه فلفلان:

وعن رجل أوصى بعتق عبده، وما بقي من ثلثه فلفلان، فمات، فقامت بينة إن العبد كان حرا أعتقه سيده هذا في صحة منه، أو استحقه رجل، قال ابن القاسم: أرى أنه ليس له إلا ما بقي بعد قيمته، إنما هو رجل أوصى بأنه غلام له، أو نسي عتقه، فأوصى على وجه الملكية أو يكون تعمد ذلك، فلم يكن يريد بعطيته إلا ما بقي بعد القيمة من ثلثه فليس له إلا ما بقي من ثلثه بعد القيمة.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها في رسم نفذها من سماع عيسى، ومضت أيضا في رسم باع شاة منه. فلا وجه لإعادة القول فيها.

.مسألة أوصى الرجل إلى أيتام المعافر وأراملهم مائة دينار:

وقال: إذا أوصى الرجل إلى أيتام المعافر وأراملهم مائة دينار، قال: إن كان الموصي من المعافر، وكان ساكنا بالريف، إلا أنه إذا قدم الفسطاط نزل بالمعافر، فأرى المائة للأيتام والأرامل، الذين من المعافر، ومن كان من الأيتام والأرامل، من سكان المعافر إلا أنهم ليسوا من المعافر، فلا شيء لهم، ويؤثر الأحوج فالأحوج، وإن كان الموصي ليس من أهل المعافر، كان بها مسكنه أو لم يكن، غير أنه ليس بمعافري فكل من سكن المعافر من أيتامهم وأراملهم كانوا معافرين، أو من قبائل غير المعافرين، فيعطون ويؤثر الأحوج فالأحوج.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن الموصي إن كان معافريا علم أنه إنما أراد بوصيته أيتام قبيلته، وأراملهم، فتكون لهم الوصية، كانوا من سكان المعافر، أو لم يكونوا من سكانها، وإن لم يكن معافريا علم أنه إنما أراد بوصيته أيتام سكان المعافر وأراملهم كانوا معافرين، أو لم يكونوا معافرين وبالله التوفيق.